مقدمة:
أتذكر جيداً شعوري حين ضممت ابنتي لأول مرة فور ولادتها، أحسست بأني أحتضن معجزة من معجزات الله تعالي بين ذراعي... وأخذت أتأمل وأنا أسمع أنفاس الصغيرة: أين كانت تلك الإبنة منذ عام مضى.. وكيف تكونت واكتملت.. وأخذتُ أتمعنُ في عينيها ويديها وقدميها، ورنين بكائها يذكرني بأن أصبح لي إبنة لها متطلباتٍ منذ اليوم الأول.. لا أستطيع أن أنكر قلقي من حجم المسئولية التي القت على كاهلي.. فدوري كأم لا يتحدد فقط في تلبية حاجتها البدنية من مأكل ومشرب ونظافة.. ولكن دوري يمتد ليشمل تربية نفس ابنتي، ورعاية بذرة الإيمان المغروسة في قلبها الصغير...
.
وأخذت أسأل نفسي ، كيف أعلم تلك الصغيرة أن السعادة تبنع من الداخل، وأن القناعة كنز لا يفنى، وكيف أعلمها أن تعتز بنفسها، وأن تعلم أن الله معها أينما كانت وأن عليها أن تسعى وليس عليها إدراك النجاح.. وأن .. وأن... كيف أعلمها كل هذه المفاهيم التي تبدو صعبة على العقل الصغير.
أدري أن نشأة الأبناء نشأة دينية ليس هدفي وحدي وأن هناك الكثيرون من هم أحرص مني على تحقيق هذا المطلب، ولكن ومع الأسف أري العديد منهم يزرعون الرعب في قلوب ابنائهم بدعوى التربية الدينية.. فيقومون بترهيبهم أكثر من ترغيبهم، ولو فعلوا عكس ذلك لكان أفضل. فعلى سبيل المثال، هناك من يكرر على طفله: الله يراقبك حتى إذا أخطأت يرسلك لتُحرق في جهنم.. فيربي فيه انطباع خاطئ بأن هدف الله – تعالي الله عن ذلك - أن يعذب مخلوقاته، وإني أرى لو بدّل هؤلاء قولهم بقول: أن الله يراقبك ليحاوطك بعنايته، سيكون أفضل.. هذا لا يعني أن نربي أطفالنا على أساس تجاهل عواقب أعمالهم، ولكن يجب عدم إبراز تلك العواقب على نحو يبعد الأبناء عن خالقهم. فهكذا فعل الله معنا حين بدأ 113 سورة من مجموع 114في القرآن الكريم باسم الله الرحمن الرحيم، وكان يمكنه أن يبدأ باسم الله المنتقم الجبار مثلا.. ولكنه اختار أن يبدأ حديثه بتذكيرنا أنه هو الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شئ. .
من هذا المنطلق قمت في بداية الألفية الثالثة بعمل حلقات جرافكس بعنوان "المسافر الصغير" لتعليم أبناءنا وترغيبهم في المعاني والمفاهيم العميقة ببساطة ويسر حتى يتسنى لعقول الصغار استيعابها وفهمها فهم كامل.
وقد عُرضت أربعة من حلقات هذا الكتاب في مهرجانات عالمية في مختلف أنحاء العالم، من كندا وألمانيا واليابان وإيران وأسباينا.. وكنت أشعر بسعادة بالغة كلما التقيت شعوباً جديدة ووجدت لديهم نفس التقديرللقيم والمبادئ التي رغبت في إبرازها مما جعلني أشعر أن الأديان مصدرها واحد وأن جميع البشر في مشارق الأرض ومغاربها مشتركون في إنسانيتهم.
وبعد مرور أعوام طوال قررت أن أضع هذه الحلقات في كتاب حتى يتسنى لأجيال وأجيال من أبنائنا أن يحصلوا على أكثر استفادة ممكنة من الأفكار المطروحة وقد تم بحمد الله الاتفاق مع دار النهضة لنشر هذه الحلقات في كتاب يحمل نفس الاسم (المسافر الصغير) ، أتمنى أن يجد هذا العمل طريقه في قلوب قراؤه من أبناء وآباء على حد سواء، فيجد الآباء فيه العون في بث القيم النبيلة في نفوس أولادهم ويجد الأبناء فيه المتعة والرشاد. .
المسافر الصغير
شمس، سحابة، إنسان
يلتقي المسافر الصغير بعجوز تتعهد له بتحقيق ثلاثة أماني، فيتمنى أن يتحول إلى شمس ظنًا أنها الأقوى، وبعد تحوله إلى شمس يدرك أن سحابة صغير تستطيع أن تحجب رؤيته وهو في هيئة شمس، فيتمنى أن يصبح سحابة، ولكنه سرعان ما يدرك أن السحاب ضعيف، يتلاشى في غمضة عين إلى قطرات ماء، فيتمنى أن يتحول إلى جبل ظنًا أنه راسخ ومتين في مكانه، ولكنه يدرك وهو في هيئته الجبلية أنه أضعف من أن يبعد حطاب عنه حتى لا يضربه بفأسه، فيدرك أن الإنسان هو أقوى الكائنات.
العصفورة قالت لي
يشعر المسافر الصغير بقلق بالغ وهو يعبر بحيرة على متن قارب صغير، وكلما داهمه القلق وقعت صخرة كبيرة رأسًا على قاربه! وأخذ عدد الصخور يزداد داخل القارب.. فازدادت حمولته. وبدأ القارب يغوص به في المياه، وخشي المسافر الصغير على نفسه من الغرق، فأخذ يصرخ في وسط البحيرة حتى سمعته عصفورة صغيرة تطير في جوف السماء، فأتت إليه مسرعة تحمل معها النصيحة لإنقاذه.
قطرة السعادة
لم يكن المسافر الصغير سعيدًا بحاله حتى التقى ببائعة عرضت عليه قطرة السعادة مقابل كل ما يملك، يشتري منها المسافر القطرة وبالفعل يكون لها أثر بالغ على مزاجه ، فيسعد كثيرًا بعد تناولها، وبعد فترة وجيزة يلتقي البائعة مرة أخرى ليدرك سر السعادة.
النيل صديقي
يتحول نهر النيل إلى إنسان ويقرر مغادرة البلاد هربًا من التلوث والإهمال، يلتقي النيل المسافر الصغير وهو في هيئته البشرية، لم يتعرف عليه المسافر الصغير من الوهلة الأولى ويتخذه صديقًا، وأثناء الرحلة يدرك النيل وصديقه المسافر الصديق محنة المصريين بعد أن هجرهم المورد الأول للمياه.
أنا مش لوحدي
كان على المسافر الصغير اجتياز الغابة للوصول إلى غايته، ولكن حارس الغابة يمنعه من المرور لأنه أصغر من أن يجتاز الغابة الخطيرة بمفرده، يعود المسافر الصغير إلى أدراجه وهو في غاية الأسى ولكن الطبيعة من حوله لن تتركه كثيرا في هذه الحالة.